tag:blogger.com,1999:blog-12719591665598249772024-03-14T07:55:12.468+02:00الكاتب والروائي عوض شعبانالمدونة الرسمية للكاتب والروائي عـوض شــعبـان
مقلات، أدبيات، مختارات إجتماعية وسياسيةAnonymoushttp://www.blogger.com/profile/17204398534387978022noreply@blogger.comBlogger15125tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-80903700186952037522014-03-07T20:46:00.000+02:002014-03-07T20:46:05.439+02:00موت شاعر عظيم<div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<br /></div>
غيب الموت هذا الأسبوع أديب عظيم الأثر واسع الثقافة قلما وجدت هذه الصفات في أديب آخر. انه الشاعر المبدع والكاتب الموسوعي جوزيف حرب الذي لم يتميز بالأغنيات الرائعة التي نظمها لفيروز امثال: "لبيروت من قلبي سلام لبيروت... من قمر، من صخرة كوجه بحار قديم" وغيرها من الأعمال التي تغنت بالجنوب والجبل والانسان.
في "أواخر الأيام" التي شاهدناها على محطات التلفزة في احدى دول الخليج العربي كان جوزيف حرب يتحدث عن شعراء وحكام في اواخر حياتهم، فإذا به ملما بأدق التفاصيل التي جبلة حياة أولائك الأدباء في أواخر أيامهم، وهو لم يستقها من كتاب "الأغاني" أو غيره من الموسوعات الأدبية. انما كان ذلك حصيلة دراسات معمقة في الثقافة العربية، فاجئتنا، نحن مدعي الثقافة، باننا نسبح في يم ضحل المياه.
جوزيف حرب المبدع العظيم لم تتعرف اليه الدولة ففاتها تكريمه بما يستحق، هو الأمين العام السابق لإتحاد الكتاب اللبنانيين، والرئيس السابق أيضا للمجلس السياسي في الجنوب أيام الحركة الوطنية. وهو اليوم يؤكد لنا انه كان أكبر من كل تكريم. فأعماله ستبقى منارة مضيئة في دنيا الثقافة اللبنانية والعربية.
عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-88102759503093704222011-12-09T19:43:00.001+02:002011-12-09T19:51:58.656+02:00الملعونون<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
عدة شخصيات اغترابية رسمها الكاتب في هذا الكتاب الذي زعم انه قريب من الواقع إن لم يكن جزءا منه. وهذه الشخصيات ليست متساوية في الميول والنزعات والأهداف. ففيها السوي. وفيها القابل للإنحراف، وان كان الطموح الى الإثراء هاجس الجميع حيث هو القصد من هذا الإغتراب في الأساس.<br />
<br />
في هذه الروايات الأربع القصيرة، نكتشف وحدة المشاعر الإنسانية لبني البشر، حيث يسعى كل منهم الى الخير ومنفعة الناس. لكن عوامل عديدة تغير اتجاه بعضهم وتجعله غير قابل للتعايش، فيغدو نتوءا على صفحة الأرض. <br />
<br />
<a href="http://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb209244-181640&search=books">الكتاب عن دار الفرابي</a> </span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-70270653892958140402011-06-03T00:16:00.000+03:002011-06-03T00:16:25.047+03:00مرحلة عبد الناصر فخار لا عار<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
سمعنا خلال الإحتجاجات التي شهدها ميدان التحرير في القاهرة، بعض الأصوات الناشزة وهي تطعن بمرحلة كبير هذه الأمة الراحل الرئيس جمال عبد الناصر. واستغربنا كيف يستطيع بعض المارقين التافهين الإساءة إلى رجل كرّس حياته من أجل عِزَّةِ الأمة العربية وتخليص الشعب المصري من ظلم الإقطاع والإجحاف المتمثلين بطبقة الباشاوات والبكوات الذين طالما استمرئوا استعباد الفلاحين والعمال وجميع الطبقات الدنيا.<br />
<br />
لقد ورث عبد الناصر من نظام الملكية البائد أبشع صور الإضطهاد والفساد. لكنه بثورته على معاقل التخلف و الظلم تمكّن من أن يمحو صفحة البؤس من تاريخ مصر الخمسينيات وكانت قرارات تأميم المصانع والمزارع والأنشطة الإقتصادية الكبرى، مع تأمين العلم والطبابة والعمل للجميع، إضاءة ساطعة تنير دياجير العتمة في الحياة االمصرية. فعاش مئات ألوف الفلاحين في رحاب الإصلاح الزراعي، حيث بات الفلاح الفقير مالكاً أرضه وسيد مصيره للمرة الأولى منذ عهد الفراعنة. وصار العمال يشاركون في إدارات المصانع التي يعملون فيها.<br />
<br />
وجاء تأميم قناة السويس بمثابة اللبنة الأساسية في مدماك البناء الوطني الذي اكتمل مع معجزة السد العالي والتصدي للعدوان الخارجي الذي قامت به كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. ولم يكن انتصار مصر في تلك المرحلة سوى انتصار للأمة العربية كلها، وهي كانت تتوق لعهد جديد تذوق فيه حلاوة العز بعد أن ذاقت مرارة الذل والقهر طويلاً.<br />
<br />
إن المد القومي الذي تُوِّج بقيام الوحدة بين مصر وسوريه العام 1958 – وإن اعقبه الإنفصال بعد ذلك، كان الوميض المشع للعرب جميعاً من محيطهم إلى خليجهم. فهل ننسى كل هذه الأمجاد في زحمة الزمن الرديء الذي تعلو فيه الأصوات الناشزة الجاحدة بصانع تلك الأمجاد؟<br />
<br />
كلنا يعلم من يدفع بعض الشبان المغرر بهم إلى رفع عقيرتهم بالإساءة إلى ذكرى جمال عبد الناصر. فهم المحسوبون على تلك الجماعات التي ناصبت قائد الثورة العداء منذ اليوم الأول، حين أعلنت شعاراتها القائلة بأن لا حكم إلّا بالقرآن. وكأن القضاء على الإقطاع، ورفع الغبن عن كاهل الفقراء يغاير آيات القرآن الكريم؟<br />
<br />
لقد استمرت هذه الجماعات المارقة في عدائها لعبد الناصر، وحقدها عليه، حتى بعد وفاته، مشوهة ذكراه، وفي خلدها أن من اليسير محو ذاكرة الناس الطيبين. وهم الذين يعرفون جيداً أن هذا الرجل العظيم عاش في بيت عادي في ثكنة للجيش، لا يملك من الدنيا غير اسمه الناصع وإنجازاته التي لا تُنسى. فلم يترك وراءه مالاً أو أملاكاً. إنما ترك لمحبيه ومقدري افعاله إرثاً يفوق في عطائه مال الدنيا اجمع. الأمر الذي يؤكد أن مرحلة عبد الناصر كانت وما زالت مصدر فخار لا عار. <br />
</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-78257362726553252872011-06-03T00:14:00.000+03:002011-06-03T00:14:28.751+03:00حذاري مصر من فتنة التكفيريين<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
مصر التي يصفها أبناؤها بالمحروسة، ويقولون متباهين إنها أم الدنيا وأم العرب وحاضنة أمجادهم قديماً وحديثاً. لكن مصر الغالية هذه تعاني الآن إعصاراً رهيباً سببه جماعة التكفيريين الذين لا يسعون إلى تقدم البلد وأهله، بل إلى وضع العراقيل ألكأداء أمام تعايش الشعب وطنياً واجتماعياً ومصيرياً، بتأجيج النعرات الطائفية التي ما دخلت في شيئ إلاّ وأفسدته.<br />
<br />
هؤلاء التكفيريون الذين يكثرون من البسملة والحوقلة في أحاديثهم قلما يفقهون ماذا يتكلمون عنه، فاسم الله الرحمن الرحيم لا يدعو لغير المحبة والرأفة والتسامح. وتوجيه الحمدلله يعني أن نشكره على أنه خلقنا أخوة متحابين، لا متباغضين، وهو القائل :" ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" وكذلك قوله تعالى:"إنما خلقكم أمما وشعوباً لتعارفوا" والتعارف هنا يعني التعايش والتحابب. كما أنه القائل :"لا فرق بين عربي وعجمي إلّا بالتقوى" والتقوى هنا تعني من جملة ما تعنيه ألبر والتعاون والتآلف.<br />
<br />
هؤلاء التكفيريون الداعون إلى "التمسك بنهج السلف الصالح" يتجاهلون أن السلف الصالح ، بإستثناء الخلفاء الراشدين، لم يكن أفراده صالحين دائماً. إلاّ اذا تغاضينا عن مصارع أحفاد رسول الله وآل بيته على أيدي خلفاء بني أمية، وبني العباس.<br />
إن مصر الغنية بشطري الأمة، مسلميها ومسيحييها، كانت دائماً موئلاً للحضارة والمجد والعمران. ومن نافلة القول إن وحدة شعبها هي التي صنعت الحضارة والمجد والعمران. ويذكر التاريخ الحديث أن مكرم عبيد باشا، الوزير المسيحي، في حكومة مصطفى باشا النحاس، قرر فرض تدريس القرآن الكريم في جميع مدارس مصر في تلك الحقبة، سعياً منه لتمتين آواصر الوحدة بيت أبناء شعب مصر، إضافة إلى تعزيز قدرة التلاميذ على فهم اللغة العربية الفصحى. وإذا ذكرنا حضارة مصر العريقة، فلا بد لنا من ذكر صحيفة "الأهرام" ومؤسسها المسيحي بشارة تقلى. وكذلك مجلة الهلال ومؤسسها جورجي زيدان والمقتطف التي انشأها آل صروف... وغيرها كثير وكثير.<br />
<br />
قال رئيس وزراء لبناني أسبق، المرحوم تقي الدين صلح: "إن لبنان بخير طالما يُسمَعُ فيه جرس الكنيسة يُقرَع". وما قاله هذا الرجل الذكي ينطبق على حاجة مصر إلى سماع نواقيس كنائسها ، لأن في ذلك تأكيداً على حالة الوئام بين شطرَي الشعب المصري، وهو وئام حمته وسواه التسامح والتعاون لما فيه خير البلاد وشعبها جميعاً.<br />
إن قادة مصر العظام كانوا دائماً يستنيرون بأفكار وإمكانيات وزرائهم ومستشاريهم المسيحيين، بدءاً من محمد علي باشا مؤسس الدولة الحديثة في مصر الذي اعتمد في بناء قدراته العسكرية على مستشاره سليمان باشا الفرنساوي. وسعد زغلول اعتمد أيضاً على مستشاريه الخلص ومنهم مسيحيون. وجمال عبد الناصر نحا هذا النحو، وكان من أخلص مساعديه الوزير القبطي كمال رمزي إستينو. فهل أخطأ هؤلاء العظام أم أصابوا ؟<br />
<br />
لقد أصابوا بالفعل والدليل على ذلك أنهم بنوا دولة قوية مرهوبة الجانب، ويعيش شعبها بتآلف ووِد ومواطنة صحيحة. وعلى هذا ينبغي تسفيه دعاوات جماعة التكفيريين الذين دأبوا على تأجيج نار الفتنة بين المسيحيين والمسلميين، لتبقى مصر المحروسة أم الدنيا وحاضنة أمجاد العرب، وهذا لا يكون بمهاجمة الكنائس وإحراق بيوت الأقباط. ونُفَعِّلْ مضمون التحية العربية الإسلامية : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وهذا يعني السلام لا الحرب والرحمة لا الظلم.<br />
</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-3209792745765057292011-05-09T22:06:00.000+03:002011-05-09T22:06:39.780+03:00الغباء صفة التطرف الديني<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
ما هو مدلول الغباء إجتماعياً؟ إنّه نقيض الفهم الكامل للنفع العام والخاص. فيكون مجافات هذا النفع غباء ضاراً بمن تكون هذه صفته. ولهذا عرّّف الأجانب صفة المنفعة بالبراغماتية التي تعني في ما تعنيه "التصرّف العملي".<br />
<br />
والتطرف الديني في هذا المجال ملازم للغباء، لأنه يناقض مصالح الناس والبلاد. وحين يغتال بعض المتطرفين سيّاحاً أجانب، لا يجنون من وراء ذلك سوى الإساءة، لا إلى الذين يغتالونهم وحسب، إنّما يضرون بمصلحة البلد وأهلها، لأنّ هذا الفعل الشنيع يحرم هؤلاء الناس الطيبين من المردود الكبير المحصّل من السياحة.<br />
<br />
ماذا استفاد هؤلاء المتطرفون من تفجير المقهى المنكوب في مدينة مراكش ذات الطابع العربي الإسلامي؟ لقد أساءوا إلى الناس جميعاً بقيمهم ونزعاتهم الإنسانية والحضارية وكل ما جاء به الإسلام. وهم، المتطرفون، يعلمون جيداً كم أسرة عربية مسلمة في هذه المدينة تعتاش من عائدات السياحة.<br />
<br />
إذن، لم يكترث الأغبياء المجرمون بمصائر الأبرياء الذين قتلوهم، أو أصابوهم بالجروح الخطرة متناسين قول الله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الأثم والعدوان". وهذا يؤكد أنّ الجناة لا علاقة لهم بالدين الذي يدعو إلى المحبة والرأفة والتسامح، غير مبالين بشيم رسول الله الداعية إلى مكارم الأخلاق، وهو الذي كان يكرّم الضيف ويحسن وفادة الغريب، ويصر على الحسنى مع جميع الناس، ولو كانوا من غير ملته.<br />
<br />
من أين استقى هؤلاء المتطرفون أفكارهم الهجينة؟ من الخوارج الذين تزرعوا بحجج عقيمة ليتمردوا على الإمام علي كرّم الله وجهه إبّان حروبه مع معاوية ابن أبي سفيان، وكان ذلك السبب الأول في إنتصار مكائد معاوية على فروسية الإمام علي. وكان آخر حلقات التآمر على الإمام، يوم قتله غدراً، أحدهم ويدعى ابن ملجم. <br />
<br />
فهل يعيد هؤلاء الخوارج، في هذا العصر، الصورة القبيحة المرسومة لهم في ذاكرة العرب من العصر السحيق؟<br />
<br />
العالم اليوم، أيها الأغبياء، لم يعد غارقاً في ظلمة التقوقع والعزلة. فهو مجال رحب لجميع البشر. وما يصدر في الغرب من كتب يُقرأ في جميع البلاد، وخصوصاً بلاد العرب والمسلمين. وما ينتج في الغرب من مبتكرات علمية، يتداول في هذه البلاد جميعها، إلا إذا تعامينا عن منجزات الكمبيوتر والهواتف النقالة وأجهزة التلفزة وغيرها من الإختراعات التي ساهمت في جعل العالم قرية صغيرة...<br />
<br />
إنّكم، أيها الأغبياء، تخدمون تخرصات دعاة الحروب بين البشر، مؤازرين صامويل هاتنتون حول "صراع الحضارات" وفوكوياما حول "موت التاريخ"... فهل إلى هذا الشأو تقصدون؟ <br />
</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-68886514451386964742011-05-09T01:04:00.000+03:002011-05-09T01:04:49.722+03:00بشر وجرذان وخنازير<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
عندما تكون الأرض في بقعة ما ، ونفترض هذه البقعة حياَ فقيراَ يدعى الكرنتينا ، ملأى بالأكواخ المكونة من الصفيح المسمرة ألواحه بدعائم خشبيَة ، فمن يقطنها هم البشر من فوق، والجرذان من تحت.<br />
<br />
ومع مضي الوقت يألف القاطنون فوق ، الحيوانات التي تقيم تحت ، فتنعدم ظروف العداء التاريخي في ما بين الفريقين، فيشكل نمطاً من الجيرة مبتكرة ، وإن كان غير مألوف في أماكن أخرى. فلا المرء يضرب الجرذ بعصا، أو يرميه بحجر، إذا خرج من مخبأه لكي يتنشق الهواء العليل فوق سطح الأرض. ولا الجرذ يعض أحداً من سكان الكوخ وهم نيام.<br />
<br />
وكانت الجرذان من اللياقة والتهذيب. بحيث لا تُرى في النهار، وكأن ثمة إتفاقاً ضمنياً بين الطرفين على تقاسم اليوم. فيكون النهار للآدميين ، والليل لغيرهم. وقد يخلُ البعض بالإتفاق. إذ يطاردون جرذاً كان يتسكع ليلاً، غير دارٍ أن أحد ساهري الديوان قد يتأخر في العودة إلى كوخه بعد أن يمرَ بالمراحيض العمومية التي أقامتها البلدية من الباطون على الجانب الأيسر من الطريق الذاهب صعوداً من مستشفى الحيوانات الى المسلخ فالكرنتينا.<br />
<br />
وخلافاً لما يحدث في أحياء الفقراء في عدد من البلدان الأخرى مثل إفريقيا وبعض مناطق السود في الولايات المتحدة كحي هارلم في نيويورك، لم يفكر الناس العائشون تحت مستوى الفقر، بأكل الجرذان مطلقاً، وإن كان هذا الأمر <a name='more'></a>مثاراً للتفكَه الذي يحمل طابع الجدل العقيم في الديوان، إعتماداً على إلتصاق اللغو بهذا المجلس الذي يدعو الأعراب ديواناً، ويسود الكلام الكثير الذي هو غالباً بلا طائل، ويسمونه الهرج...<br />
<br />
ولأن الهرج ببلاش كما يقول العربان، فقد اعتاد ساهرو الديوان (في الحي أكثر من ديوان) أن يتكلموا في الجرذان، حينما لا يتكلمون عن الغنم. وفي أكثر الاحيان تبدأ السولافة (الحديث) في الغنم وتنتهي بالجرذان.<br />
<br />
ويظل السؤال المحيٍر هو : لماذا لا يأكل الفقراء هنا ما يأكلونه هناك ؟ خصوصاً متى علمنا أنه لم ينزل تحريم فيه كما نزل في الخنزير... مع أن الأعراب عموماً لا يأنفون من أكل الضبَ، وهو أبن عم الجرذ، واي فارق بيولوجي بين الحرذون أي العظاءة، الحرباء... وبين الجرذ؟ وهل الإستنكاف عن مجاراة البلدان الأخرى سببه القرف، أم مرجعه حالة الوئام بين البشر والجرذان في تعايش شبه نموذجي؟.<br />
<br />
يقول عُقْلهْ الخضر الذي سمع في الديوان من يقول إن أقواماً تأكل كل حيوان يدبُ على الأرض، حتى الزواحف، فيما هو يأخذ نفساً من نرجيلته طويلاً : " ويش بيها يا ها الربعْ. أبو سمرَهْ الحجازي (هو الزنجي مبارك) قديش (يلفظ القاف جيماً مصرية) فُرَحْ يومةِ للي جَهْ الجراد؟ تشان (أي كان) يدفع لكل عجي (أي ولد) جرْشْ حق كل جرادهْ. ويقول إنها أطيب من اللحم المشوي." <br />
ولما أحس تأييداً لما يقوله لدى الساهرين واستحساناً، استطرد حالما سحب نَفَساً عميقاً من النرجيلة:" وليشْ نستغربْ أتْشل الجراد، وهادا الحج فْرْنّوْ قِطَعْ دابرْ التشْلابْ (الكلاب) في الحيْ. ومِن يومة الي رجع من بلاد الناي ناي (يقصد شبه جزيرة الهند الصينية) مع الجيش الفرنساوي، صار اللحم عندو لحم التشلاب، وبس...".<br />
<br />
وعبثاً حاول موسى جولان الدخول في مسائل المحللات والمحرمات، إذ إن عُقلة أفحمه حين أكد أن الحاج فْرْنّوْ والزنجي مبارك الملقب بأبي سمرة، آكلي الكلاب والجراد، وهما من أشد الاعراب ورعاً، أفهم الجميع في الشريعة ومقتضياتها.<br />
<br />
ومن يومها، شاع لقب "أبي الجرادين" على عُقْلة الخضر. بل إن اللقب طغى عليه، فلم يعد يُعَرفُ إلا بهذه الكنية. ودحضاً للإشكال، بات اسمه كاملاً : عُقْلة الخضر أبو الجرادين... وهو ما دُوٍنَ رسمياً في سجلات المسلخ بصفته عاملاً فيه.<br />
<br />
وهذه التسمية التي ألحقها الخبثاء بهذا الرجل الأربعيني ذي القسمات التي توحي بالطيبة والغلو في السوالف (الأحاديث) والقامة المربوعة، لم تلتصق به لو لم يكن يكثر من الكلام عن الجرذان، وكأن من أطلقها أراد الإيحاء بأن عُقْلة يسعى للفوز بلقب الرجل الثالث في تجمع الأعراب هذا، الذي لا يتورًع عن التهام حيوان مقرف، بعد الحاح فْرْنّو وأبي سمرة... غير أنه حاز على صفة أول شخص من بين البدو يعاني من عوارض داء النقرس... لكثرة التهامه اللحم.<br />
لكنّ التهمة الجرذانية لم تعمر طويلاً كما عمًرت كنيته الجرذانية أيضا. فالغلام تركي إبن صاحب الديوان، وهو تلميذ يتلقى العلم في مدرسة في الأشرفية، ونجح في الشهادة الإبتدائية، ويستعد لدخول الصف الأول المتوسط، أعلن حصيلة قراءآته العلمية التي تشير بشكل قاطع، الى أن الجرذ ناقل لوباء الطاعون وقانا الله شرًه...<br />
<br />
وهكذا حُسمت هذه المسالة لمصلحة... مصلحة من؟ لا أحد في الحقيقة قال انه يحبذ أكل الجرذان. ولماذا لحم هذا الحيوان المقرف الوسخ، فيما جميع العاملين في المسلخ يحصلون على اللحم بلا مقابل؟ صحيح أن هذا اللحم ليس لحماً، بل جلاميق ومذابح وبعض ما يعترض اتجاه اليد الخفيفة... فهو ذو طعم رائع متى شوي على النار.<br />
<br />
من هنا استمرار الوئام قائماً بين البشر وهذه المخلوقات الوديعة القميئة. والإنتهاكات لا تحصل إلأ في ساعة متأخرة من الليل وعند المراحيض العمومية. غير أن الجرذان كانت إجمالاً عاقلة، فلم تتذرع بهذه التصرفات الفردية الطائشة لنقض الإتفاق الضمني الذي ظل محتَرماً معظم الوقت. فلم يحدث أن شكا أي شخص من الإصابة بالتسمم في الطعام البايت برغم أن جرذاً ما أو فأراً على الأقل، شوهد قرب طنجرة الطعام وأنفه في الأرض لصق الوعاء. بل أن جرذاً مقداماً جرؤ يوماً ونام قيلولته بكل أطمئنان، على الكارة التي تغطي معجن الخبز.<br />
<br />
<br />
واحتارعُقْلة أبو الجرادين في وضعه الصحي، وانعكاسه على الوضع الغذائي. فهو لا يقرب اللحم. اللحم المشوي الذي لم يخلق الله ألذ منه على الإطلاق. وكانت امتع لحظات حياته حين يعود من المسلخ حيث يعمل أجيراً عند تاجر ماشية حلبي مقيم في بيروت، وفي مئزره ذي الجيب الوسيع كمية من المذابح التي هي أصلاً العرق الذي يختزن في داخله بقايا الدم المتخثر في الرقبة. لكن العاملين في المسلخ اعتادوا انتزاع قطعة من اللحم المحيط بالعرق بحجم الأوقية، خصوصاً إذا كان العامل أجيراً لدى تاجر من غير الأعراب، وقد حللوا ذلك ودعوه :"رزقة"... بكل اعتزاز!.<br />
فمن هذه الكمية يشوي هو وتطبخ امرأته فيشبع الجميع، الكبار والصغار، برغم صعوبة إشباع هؤلاء الأولاد الفجعانين.<br />
<br />
لكنه بعد تفاقم أوجاعه التي مصدرها أصابع القدمين وعظمتي الكاحل أحياناً، لم يعد يستطيع اكل اللحم ... ولمّا اهتدى على الأمعاء التي تُنَظَفْ حالما تُستَخرج من الذبائح، ويسمونها "مندويشات" وأكلها لذيذ أكان مشوياً أم مقلياً، قال له الصيدلي الأرمني هاغوب الذي ينادونه بالدكتور على أساس أن كله صابون عندهم، إن هذه المندويشات مضرّة وأذاها أشد هولاً من اللحم، ولو كان لونها أبيض والدهن فيها أكثر من اللحم... بل، ليس فيها لحم أصلاً... وكان العارفون من أهل الحي قد اكدوا له أن اللحم الأحمر ضارٌ به وعليه باللحم الابيض، وظن الأمعاء لحماً أبيض كالسمك والدجاج.<br />
<br />
لكن السمك غالٍ وليس متوافراً كل يوم، وصيده حسب الطقس، فأبناء الحي البارعون في السباحة والصيد لا يصطادون السمك في الأوقات التي يكون فيها البحر مائجاً. حتى لو توافر، فهو لا يُشبع، وبوسعه أن يأكل قنطاراً منه ولا يكتفي. أمّا الدجاح فمسألة أُخرى. إنه يُشبع جوعه بالطبع، لكنه غالٍ جداٌ (كلمة "غالٍ" يعني أنه لا يحصل عليه مجاناً كلحم المّذابح الشهيّة).<br />
إذاً، لن يستطيع أكل الدجاج إلا في بعض المناسبات، كأن تُضلَّ إحدى دجاجات الأرمنية إبراكسي (يلفظها الأعراب مجزأة لا متكاملة) الطريق إلى الخم، فتتلقفها أيدٍ كثيرة في بيته – أو كوخه- ما عداه هو، لأن هذه سرقة، والسرقة حرام. لكنه يأكلها بعد أن يحللها في اجتهاده الذي يعتبرها نوعاً من غنائم الغزو... لا سيما وأن الضحية من اهل الذمة!.<br />
<br />
<br />
ويستمرُّ النقرس في قدمي عُقْلة أبي الجراذين ليجعل غذاءه خالياً من اللحم. ولطالما خالف نصيحة الصيدلي هاغوب، حين يشاهد المرأة والأولاد يشوون المذابح أو يقلونها، ويشوون المندويشات أو يقلونها، فبمدُّ يده إلى بعض لقمات لا تسدُّ رمقاً، لكنها تفتح الشهية على ما هو أكثر، فتكون النتيجة أن يتلوى من الألم ليلاً، ليقسم مجدداً بألا يذوق اللحم الأحمر مرّةً أُخرى. وهو غير مصدِّق نفسه بإمكانية الوفاء بقسمه، حالما يشم رائحة اللحم المشوي أو المقلي، حتى ولو ظلَّ أياماً بطولها يئن من الألم.<br />
<br />
وشاع في الحي مرض عُقْلة الغريب على أهل الأحياء الفقيرة، وهو الموصوف بداء الأكابر... وأخذ كل واحد من ساهري الديوان يصف له دواءً عربياً، لقد أسقوه من كل أشربة النبات والأشجار، حتى ارتوى. لكنه بدون جدوى. ولم يبقى إلا خميرة وصفوها له من روث الماشية مضافاً إليها بعرة بعيرٍ بكرٍ لناقة حلوب...<br />
<br />
وقد شرب هذا السائل الغريب الحاصل من منقوع الروث المتعدّد النوع، بعدما قامت إمراته بزيارة أهلها في سهلٍ عميق للحصول على بعرة البعير ... الغالية.<br />
<br />
واليوم لا يعرف عُقْلة بالضبط إذا كان تحسنه عائداً إلى احتسائه كل هذه المنقوعات، أم لأنه لازم أكل الكثير من المجدّرة والبرغل مع القليل من الأرّز واللبن.<br />
<br />
غير أن عوامل نفسية ساهمت في تخفيض نسبة الحامض البولي في دم عُقْلة، كما يقول الصيدلي هاغوب. وقد يكون محقّاً في ذلك، لأن عُقْلة وجميع العقلاء في الحي، عاشوا شهراً من السعادة الطاغية، عندما أقدمت سلطات الإنتداب الفرنسي على نصب محرقة قرب مسلخ الخنازير وشرعت في إحراق عدد كبير من الخنازير التي تتخذ مكب النفابات الضخم في الحي، قرب شاطئ البحر، مرعى لها. ولا بد أنهم رأوا بأعينهم الجنود الفرنسيين وهم ينهالون بالضرب على خليل البوري صاحب أكبر عدد من الخنازير المصادرة برسم الحرق، حين أبدى تذمره من هذا التدبير التعسّفي بحق خنازيره البائسة. يا خراب بيتك يا خليل البوري... ومن ناقل القول إنهم شمتوا بمصابه!.<br />
فلقد أجمع الساهرون في الديوان، على وهج جمرات نراجيلهم، على ان هذا الموقف الودّي من الفرنسيين في إحراق الخنازير النجسة رائع، ويجب أن يُقابَل بالشكر منهم. فقًر الرأي بأن يقوم وفدٌ من الأهالي بالذهاب إلى ثكنة الجيش الفرنسي في مدخل الحي من ناحية جامع الخضر، للإعراب للضابط عن وحدة الموقف من الخنازير عدوّة المسلمين والنصارى واليهود. وإذا كان النصارى لم يفطنوا إلى قذارة الخنازير ونجاستها، أو في الأحرى تغاضوا عن سيّدنا عيسى ابن مريم منها عندما انتزع الأرواح الشريرة من شخص مصاب بالصرع ورماها على الخنازير...<br />
<br />
غير أن الفتى تركي، قرّة عين أبيه صاحب الديوان أفسد هذا المسعى حين قال لهم إنه قرا في الجريدة أن عملية حرق الخنازير ما هي إلاّ بسبب وفاة ضابط فرنسي كبير بداء التريشينوز، لا سيما والخنازير في بيروت لا تقتات إلاّ على القاذورات.<br />
<br />
وعلى كل حال، ظلَّ أهل الحي مدَّة شهر من الزمان فرحين، تتهلل أساريرهم فيبتسموا، وهم يسمعون زعيق الخنازير يملأ الاجواء، من المسلخ إلى الكرنتينا، ونزولاً إلى مستشفى الحيوانات. وما كان بعضهم يخفي شماتته، فيوجه سباباً للخنزير الذي يُلقى طعماً للنار: " خْرْجَكْ يا معَرّص".<br />
بيد أن هذه الفرحة بمحنة الخنازير لم تدم. فقد نغَّصها إقدام البلدية على إنشاء محرقة للجرذان قرب الشاطئ. فكانت سيارات البلدية المحملة بالأفخاخ والمصائد، تُلقي حمولتها من الجرذان والفئران في هذه المحرقة وهو ما ترافق مع نجاح التلميذ تركي الأبيض في مسعاه مع إحدى الجمعيات التي تعنى بالحفاظ على البيئة، والذي أدَّى إلى تزويد كل كوخ في الحي بمصيدة جرذان، لتبدأ نكبة هذه المخلوقات الحقيقية...<br />
<br />
طبعأً، أبى البعض، ممن اعتادوا رؤية الجرذان وهي سمينة وكأنها معلَّفة، لا سيما وثمة مكب ضخم للنفايات، وعلى مقربة من المسلخ البلدي (المكب أيضاً بلدي لأن سيارات التنظيفات التابعة للبلدية هي التي تلقي نفاياتها هناك عند الشاطئ) وتحت مبنى المسلخ، كما في المكبّ غذاء كثير لها من دماء متخثرة وما في الأمعاء والكروش من أوساخ، إذا أضيفت إلى خيرات المكبّ من قذارات، فإن الحشرات وهذه الكائنات الباعثة على القرف، في بحبوحة غذائية تُرقى إلى مستوى الترف.<br />
<br />
<br />
يشُمُّ عُقلْة أبو الجرادين مع ساهري الديوان رائحة الدخان الكريهة المنبعثة من محرقة الجرذان، فيلفّ خرطوم نرجيلته على قضيبها المعدني المجوّف، فوق قاعدتها البلَّورية، ويقترب من النافذة المطلّة على الشاطئ (بعض الأكواخ بطبقتين وهي خاصة بالوجهاء) ثم ينظر إلى جهة البحر حيث المحرقة، ويصفِّر صفيراً خافتاً يعرب عن استيائه (أوليس هو بأبي الجراذين، أي حاميها) وبعد لحظات يعود إلى مجلسه وسط اهتمام عام من الحاضرين بحركته المدهشة.<br />
<br />
يأخذ نَفَساً من نرجيلته ويتطلّع في الساهرين واحداً واحداً، بتأنٍ ويقول : "نْمسّيكْم بالخير..." وحين يسمع الرد الجماعي على تحيته، يمسد شاربه الكثَّ باليد التي تركت الملقط بعدما أحكم به وضع الجمرتين فوق نفس التنباك المحروق، وقال : "شنْو رأيكمْ يا ها الربع، نروح باتْشرْ (يعني "باكراً") لعند رئيس البلديةْ... "علشانْ المحركَة؟" (القاف دائماً جيم مصرية).<br />
وتساءل جمعهْ خليف : " نشكروْ... واللاّ إيشْ؟"<br />
<br />
" لأ، نْفَهّمُو إنّا، وكل العربان، نعيمْ وزريجات وللهيب وعراقية، زعلانين منّو ..."<br />
إستفسر موسى جولان بإنفعال : " ونحنا زعلانين مِنْ إيشْ؟"<br />
إستشاط ابو الجرادين غضباً وقال بحدَّة : " ومفزورينْ كمانْ..."<br />
لم يفصح عُقْلة عن السبب. فهو لا يستطيع إعلان تضامنه مع الجرذان في نكبتها، ولا إبداء التعاطف معها. ألا يلقبونه بأبي الجراذين؟.<br />
وسأله ديب الأبيض : " قول ْ... شنوْ مزعلكْ؟"<br />
"من هالدخنةْ إللي تعمي، والريحهْ اللي تفطسْ..."<br />
وما لم يقله عُقْلة أبو الجراذين هو أن الناس عاشت دائماً في جيرة الجرذان، ولم تر منها ما يزعج. ونِعمَ الجيرة... لكنه يعجز في كبت موقفه الحقيقي فينجرف بالقول محتدّاً : " وليش نكْتلّها و نحْركهْا متل الخنازير النجسة... وببلادْ تانيهْ..."<br />
<br />
سكت فجأةً، وكاد ان يقول : " هناك يعْلّفْونهْا و يأكْلْونْها مشويّةْ ومقليّهْ ومطبوخهْ مع الرز واللوبيا والفاصوليا..." لكنه أمسك لسانه في اللحظة الأخيرة. وحسناً فعل وإلا لإتَّهمه العربان بدنائة النفس وأكل ما هو أشدّ قرفاً من البّزاق والقطط وحتى الخنازير...<br />
<br />
"باطلْ!" صرخ موسى جولان ممتعضاً : " بَدَالْ ما نشكر البلديهْ على بيوت المَيْ اللي ساووها ليْنا، وسمحو لنْا نعمّر التخاشيبْ، نْروحْ نْقْلْلهمْ إنّا زعلانين منهم؟ شْنْو ها الحشيْ (الحكي) يا ها الربعْ؟ هادا ما يصيرْ والسِما زرقهْ...".<br />
<br />
لقد أُسقِط في يد عُقْلة أبي الجرادين، وكسب موسى جولان هذه الجولة. ولم يكن الحاج فْرْنّو حاضراً الديوان، ليشهد بأن طعم لحم الكلاب طيّب، وهو ليس مضراً بالصحة، وليس محرّماً... وهذا هو الأهمّ. وكذلك غاب الأسود أبو سمرة الذي يتباهى أمام الحضر والأعراب، حتى الأرمن، بأن أكلته المفضّلة هي الجراد (وسط استنكار الحضر، واستغراب الأعراب، وتصليب الأرمن على صدورهم) ويحبّها مشوية على نار خفيفة !.<br />
<br />
لكن عُقْلة لم يلق سلاحه مستسلماً. يا حِيْفْ... هو يسكت و موسى جولان يسولف! فتمتم حينما أطفأ الجمرة من فوق رأس نرجيلته، منصرفاً من الديوان، عائدا إلى كوخه عبر المراحيض العمومية، وكأنه يحدِّثُ نفسَهُ : " إيشْ بيها الجرادينْ؟ وإيشْ الفرق بينها وبين الضبّ والتْنْينْ ما نِزَلْ بيهم تحريمْ... متل الخنازير النجسة... تْفِهْ..." ومن حسن حظه ان البصقة كانت خارج عتبة باب الديوان. وإلّا لإستاء منه صاحب المنزول، حيث الدفء والنراجيل والقهوة المُرَّة والهْرْج، إلى ما بهد منتصف الليل!.<br />
</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-47530618305051422692011-05-02T01:04:00.002+03:002011-05-06T22:50:37.453+03:00الإعلام مدرسة تتهاوى<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
كان الإعلام قديماً، ولنقل في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، مدرسة يتثقف فيها النشء. إذ كانت الصحف والمجلات التي يشرف عليها محررون عليمون باللغة العربية وآدابها، تزوّد القراء بحصيلة ثقافية وزادٍ معرفي وافرين. وأذكر في هذا المجال أديباً كان أمياً في البدء، لكنّه علّم نفسه بنفسه حين إمتهن بيع الصحف، فتسنّى له تعلّم قراءة العناوين، ومن ثم مواد هذه الصحف والمجلات. وانتهى به الأمر، بعد عدة سنوات، الى أن يغدو مُجيداً للعربية ومطلعاً على الأدب العربي، بل صار يقرض الشعر. وتوّج عصاميته بأن غدا سكرتير تحرير جريدة الحياة التي أسسها كامل مروه.<br />
<br />
إنّه الأديب محمد قره علي صاحب كتاب "من وحي الفطرة". وفي ذلك الزمن كان عدد كبير من الناس ينكبون على الإعلام المقروء، وكذلك الإعلام المسموع، ليستنيروا بمصابيحه، بما هم في حاجة ماسة اليه. وأعترف بأنّي كنت من هؤلاء الناس.<br />
<br />
وكانت الصحف والمجلات لا تقترف أخطاء لغوية. وكذلك الإذاعات، وبخاصة إذاعة البيبيسي حيث كانت بحد ذاتها مدرسة يتفقه المستمع عبرها الكثير من المعرفة في شتى المجالات. ولعلّ جملة المذيع المشهور الكرمي "قول على قول" ما تزال ترنّ في أسماعي. لكنّ الآن تغيّرت الصورة، وبتنا نسمع مذيعات يقلن: "النساء تأكلن" و "الفتيات تدرسن"، مع أنّ الصحيح هو "يأكلن"، و "يدرسن". كما أخذنا نستمع الى عبارات مغلوطة مثل "موقف عمان" مع أنّ الصحيح هو "موقع" وليس "موقف"، لأنّ الموقع ذو علاقة بالمكان وليس بالزمان كما في الكلمة الأخرى. وأيضاً تقول المذيعات، لله درّهن، "اكتملت جهوزيته" مع أنّ الصحيح هو "جاهزيته".<br />
<br />
و إذا تركنا البيبيسي جانباً، وهي أقل الإذاعات أخطاءً، فإنّ الإذاعات العربية الأخرى تقترف من الأخطاء ما يندي له الجبين. إضافة الى أنّ المذيعات الكريمات يخلطن العبارات العاميّة بالعبارات الفصيحة، وغالبا ما يُتَرغلن بمفردات أجنبية، في ميول استعراضية سخيفة مع علمهنّ أنّ البعض – أو قل الكثير – يجهلون اللغة الأجنبية.<br />
<br />
وإذا قرأنا بعض الصحف، وخصوصاً الصحف المصرية التي كانت المدرسة الحاضنة قديماً، لوجدنا من الأخطاء القواعدية واللغوية والنحوية ما يجعلنا نحمد الله على أنّ الأصمعي وسيبويه والفراهيدي، هم في دار البقاء. وإلا لطلبوا هؤلاء المخطئين، أو الخاطئين للمبارزة بالسيوف.<br />
<br />
كان الإعلام مدرسة عظمى تُعلّم الناس اللغة والثقافة وكل أفانين المعرفة، فإذا بهذه المدرسة تتداعى وتزيد رقعة الجهل عند القراء والمستمعين انتشارا. فألف رحمة على ذلك الزمن الذي كان العاملون في الإعلام مربين وأساتذة للنشئ، قبل أن يتحوّلوا إلى متحذلقين وبارعين في كل شيء، وبخاصة الثرثرة، ما عدا إجادة لغتهم الأم.</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-89355306509392423882011-04-24T16:37:00.001+03:002011-04-25T23:55:55.523+03:00وا خجلتاه من كراتشوفسكي<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
كان المستشرق الروسي العظيم , بل المستعرب الفذ ,إغناطيوس كراتشوفسكي أهم الأجانب الذين أحبوا العرب و شغفوا بتراثهم الفكري . و حين يقرأ الإنسان العربي سيرة هذا المفكر الموسوعي و يقف على إنجازاته لا يستطيع إلا الإنحناء تمجيدا له و تكريما . فهو الروسي الأورثوذكسي الذي قضى عمره في البحث عن كنوز الحضارة العربية ,و نبش ما هو مدفون في غياهب التاريخ .فمآت الأبحاث و الدراسات التي أتحف بها المكتبة العالمية ,تطرأت حول إنجازات العرب الفكرية ,لدرجة أن المعرفة الإنسانية بدور العرب في التاريخ الحضاري فد تم كشفه ووضعه على مشرحة البحث و التدقيق ,بحيث أن الغرب لم يعد جاهلا لهذه الحضارة التي نفض الغبار عن مكنوناتها , و هي التي كانت دفينة الوف المخطوطات المنسية في أصقاع الأرض .<br />
<br />
كراتشوفسكي الذي إستوطن أوزبكستان مع عائلته الروسية ,و كان بعد صغيرا, تعلم لغة القوم ووقف من خلالها على قسط كبير من تراث العرب و المسلمين مضيفا هذه اللغات الأخرى التي يتقنها ,مثل العربية و السريانية و الفارسية و التركية و غيرها ,و عندما قدم اإلى بلاد العرب في القرن الثامن عشر ,. لم يكن دخيلا على هذه الأمة بل كان عالما متخصصا في ثقافتها و تاريخها و عادات شعبها و قيمهم , و في جعبته كتابه المهم الذي ترجمه إلى الروسية "معاني القرآن القريم "و في مدينة حلب حيث إستقر بعض الوقت ,عاش كواحد من أهلها مصطفيا نخبة من أهل البلد رأوا فيه واحدا منهم , يبثونه همومهم و هواجسهم , و اثقين به كإنسان يفيض حبا و معرفة الأمرالذي قربه من هذه البلاد و أهلها , و عمّق لهذه الحضارة التي كاد الإحتلال العثماني أن يطمس معالمها . و هنا جاء دوره في إستجلاء حقيقة هذه الحضارة الرائدة, مبينا للملأ كون الخاضعين للإحتلال أرقى و أعظم شأنا من المحتلين .<br />
<br />
لم يسبق لمستشرق أوروبي ان تجانس مع العرب و تعايش معهم , كما فعل كراتشوفسكي , حتى و لا المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون صاحب كتاب"الحضارة العربية "الذي يقول في مقدمته :" لم يعرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب "...<br />
<br />
لقد شاطر المستشرق الروسي أبناء الأمة العربية معاناتهم و جلدهم على المكارة , و ما كانت مؤلفاته في الحضارة العربية سوى دفع العرب ليعيدوا كتابة التاريخ و ضع الحاضرو المستقبل , كما كانوا دائما .و في صورة فوتوغرافية أخذت له في جلسة عربية , ظهر فيها مرتديا القنباز الحلبي , جالسا على البساط الشرقي و ضاحكا مع نفر من جلسائه . و كأن هذه الصورة تعلن مدى تعاطفه مع العرب في السراء و الضراء .<br />
<br />
غير أن بعض العرب في هذا العصر المتخلف , أساءوا إلى ذكرى هذا الإنسان العظيم بجهالتهم البربرية و ظلاميتهم المتوحشة . إذ أفدموا بدون وازع من ضمير أو حس إجتماعي , على تفجير كنائس في العراق و مصر ,و قتل و ترض مسيحين من ديارهم ,فيما كان هذا المستشرق الروسي المسيحي من أشد المدافعين عن العرب و المسلمين . و اليوم بعد هذه الردة التكفيرية التي تطوع بها بعض الضالين من أبناء هذه الامة ماذا نقول لروح من أفنى عمره في تمجيد العرب و المسلمين ؟ <br />
<br />
نقول , و بملء ألأسى : واخجلتاه من كراتشوفسكي !</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-74796380535288709212011-04-23T16:19:00.004+03:002011-05-05T23:56:13.667+03:00الولد عاشق العصافير<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
كانت مشكلة ابي جميل هي ابنه اليافع جميل . فهذا الولد البالغ من العمر عشر سنوات ، بخلاف اخوته الثلاثة الصغار ، يحب دائماً مرافقة ابيه بائع العصافير الى سوق الأحد على طريق النهر ، لينكّد عليه عمله بإبداء عطفه على هذه المخلوقات الجميلة الصغيرة ، لدرجة أنه يحزن حين يبيع ابوه عصفوراً يكسب منه ما يقوم بأوده وأود اطفاله . ولو لم يكن ابو جميل بحاجة الى عون ابنه لما تركه يأتي معه الى السوق . فهو يعلم جيداً كم يحب هذا الولد الطيور ويحنو عليها ، بحيث يقرع اذني ابيه البائس بضرورة الإقلاع عن هذه التجارة والبحث عن عمل افضل من الإتجار بهذه الأرواح البريئة . فهناك قفصان يحملهما الوالد وقفص ثالث يحمله الولد عاشق العصافير .<br />
وفي الحقيقة حاول هذا الرجل الذي لا يجيد أية صنعة ، العمل في مجالات اخرى ، لكنه لم يوفق. وآخر عمل ، وكان ذلك منذ سنتين ، حمال في المرفأ ، فآلمه ظهره كثيراً . غير أنه بيع الطيور ليس متعباً ، وإنه كانت مكاسبه ضئيلة . لأن المشترين قلة، بسبب سوء الأوضاع الحياتية. والناس ما تكاد تكسب نقوداً تكفي لإنفاقها على الخبز والطعام وإكساء الأبناء وتعليمهم في المدارس التي تأكل الأخضر واليابس .<br />
<br />
المدارس تخرب البيت . فهو باع مصاغ زوجته واستدان من جميع اقاربه واقاربها لكي يستطيع دفع الأقساط المدرسية برغم ضآلة المبلغ الذي يدفعه في المدرسة المجانية فالكتب تتغير طبعاتها كل سنة ، وبالتالي لا يستفيد ابناؤه الذين هم اصغر سناً من كتب اخوتهم الأكبر سناً . وعلى كل حال فهو يعتبر نفسه محظوظاً قياساً الى كثيرين غيره . فبيته الوضيع في حي بئر حسن المخصص للفقراء، يكفيه عناء دفع الإيجار. صحيح انه مجرد كوخ حقير، لكنه يستره وعياله.<br />
<br />
لكن هذا الولد الذي هو الأثير لديه ، والذي لا يحب ان يقسو عليه ، يزعجه بإستمرار عندما يتدخل في عمله . هذا الحسون مريض يا أبي. لم يأكل طعامه المكون من القنبز وقطع من أوراق الخس . حتى انه لم يشرب الماء المخصص له .<br />
<br />
وينهره الولد: الله لا يرده. قد نبيعه اليوم ونتخلص منه .<br />
<br />
لكنه مريض يا أبي. انا متأكد من انه يتألم ...<br />
<br />
ما رأيك يا ولد لو نأخذه الى الطبيب وندفع معاينة له بالدولار ؟ هذا ما ينقصنا ...<br />
<br />
يصمت الولد وقد ادرك ان اباه يسخر منه . مسكين ابي . لو كان يستطيع دفع معاينة لذهب هو الى الطبيب بدلاً من هذه اللزقات التي يضعها على ظهره معظم الأيام . ولداوى أمي التي تشكو من ألم دائم في معدتها تعالجه بشرب </span><br />
<a name='more'></a><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;">البابونج والنعناع . ولولا المستوصف الخيري لمات أخي الأصغر حين أصيب باليرقان .<br />
<br />
كان جميل يفكر بكل هذا وهو في البوسطة مع أبيه جالسين على المقعد الخلفي مع أقفاصهما الثلاثة. ومن آن لآخر يتطلع الى الحسون المريض بادي القلق ، حتى أنه ليحس بدموع متجمدة في عينيه. ويتذكر أنه ذات ليلة فتح القفص واطلق سراح كناري جميل ذي تغريد رائع ، كان ابوه يدعوه بالأستاذ ، لأن أباه اتفق مع القصاب عباس المعروف بقسوته ، على بيعه له. ويومها ، عندما اكتشف أبو جميل الأمر ، اقسم الولد على أنه لم يقم بهذه الفعلة. وقد رست التهمة على أخيه الذي يليه سناً، لأنه قال حينما علم بأن المشتري سيكون ذاك القصاب: حرام تبيع هذا العصفور الوديع لهذا الرجل الفظ يا أبي...<br />
<br />
لقد أنبه ضميره حين حرم ابوه اخاه من المصروف ،عقاباً له. لكنه لم يجرؤ على الإعتراف ، بالعاً معاناة أخيه على مضض، مكفراً عن ذلك باقتسام مصروفه معه.<br />
<br />
في سوق الأحد كان جميل واجماص حزيناً ، فيما ابوه يساوم البعض على بيع "حبات" من الأقفاص. وتضاعف وجومه وحزنه حينما تركزت الصفقة على الحسون. غير انه استغل فرصة إنهماك والده في الكلام مع بائع عصافير آخر، وهمس للرجل الذي ينوي شراء بعض العصافير بما فيها الحسون : هذا الحسون مريض ، فلا تشتره ...<br />
<br />
فجفل الرجل وانصرف لا يلوي على شيء ، غير ملتفت الى البائع الذي يناديه بإلحاح .<br />
<br />
ولسوء الحظ، كان هذا الرجل هو الوحيد الذي ساوم ابا جميل على شراء بعض "الحبات". وها قد انتصف النهار من دون ان يبيع أياً من عصافيره . وبقدر ما كان هو متبرماً بالحياة متأففاً ، كان الولد جميل منشرحاً ، وقد زال عنه الوجوم والحزن. وحين خفت الحركة في السوق، تضاعف إحساس الوالد بالأسى. بعد ساعة أو ساعتين على الأكثر لن يبقى في السوق احد. وهذا معناه انه لم يكسب ما ينفق به على أسرته لعدة أيام. ما العمل؟ يتطلع إلى السماء كمن يستغيث بالله . كل ما يملك هو في هذه الاقفاص الثلاثة . ليس معه من النقود ما يبتاع به قنبزاً لطيوره. لقد وعد امرأته بشراء حذاء لها بعدما بلي حذاؤها القديم . من العيب أن تذهب المرأة الى البقال الذي يقرضهم الأرز والعدس للمجدرة ، وهي منتعلة الشحاطة البلاستيك. رباه أغثني ، رحمة بهؤلاء الأطفال المساكين.<br />
<br />
يشعر جميل الذي انتقل الى وجهه غم أبيه، ان الله يعاقبهم اليوم لأنه في ما خص عصفور الكناري كذب واقسم زوراً. فيقسم مجدداً على عدم إقتراف خطيئة الكذب مرة أخرى. سامحني يا الله ولن اكذب مطلقاً ولو على قطع رأسي.<br />
<br />
يقترب رجل كهل من الأقفاص معرباً عن رغبته في شراء ببغاء ، شريطة ان تكون معلمة ، تتكلم جيداً .<br />
<br />
عندي ببغاء من اصل هندي، هذا هو طلبك أيها السيد.<br />
<br />
أخرج الببغاء ذات الألوان البديعة ، وإن كانت تبدو سقيمة، او متوعكة المزاج على الأقل. إذ بدت متوترة. وافصحت عن غضبها بإطلاق شتيمة بذيئة. وتذكر ابو جميل أنه إبتاع هذه المخلوقة التعيسة من امرأة قوادة سليطة اللسان، تدير بيتاً للبغاء السري . لكنها تتكلم على الأقل...<br />
<br />
وكان الرجل الكهل محتاراً بين الشراء وعدمه. فهذه الببغاء معلمة لكنها كما تبدو لا تجيد إلا السباب، وبأقبح العبارات. وعبثاً سعى ابو جميل لإقناعه بأن الجملة التي سمعها لم تكن: أسكتي.. يا شلكة... بل: أسكتي... يا شلقة...<br />
<br />
ولما فطن الرجل الكهل الى انه يعيش بمفرده بعد وفاة امرأته، وليس له ابناء، ولانه اراد ان يسلي نفسه وبعض اصحابه الخبثاء الذين يترددون على منزله، قبل بشراء هذه المخلوقة الثرثارة البذيئة، لكن بالثمن البخس . لن ادفع اكثر من <span class="fullpost">مائتي دولار. خذها عني . فهي سليطة فاحشة... <br />
ويقسم ابو جميل بأنه دفع ثمنها اكثر من ذلك... لكنه رضخ في النهاية وباعها بمائتي وثلاثة دولارات. لا بأس. المكسب عشرة دولارات .افضل من لا شيء. ما كان ليدفع اكثر .<br />
<br />
في البيت، حسب ابو جميل كم يبقى معه بعد شراء العلف للطيور . اقل من خمسة دولارات . ثمانية الآف ليرة ، لا تكفي لمصروف يوم كامل. والحذاء للمرأة ؟ لندعه الى الأسبوع القادم، عل الله يفتحها علينا ببيع "حبات" من البضاعة. وعلى كل حال.... غداً لن نضطر للإستدانة من البقال ثمن الأرز والعدس.<br />
<br />
لم يكن الولد جميل واخوته يدركون شيئاً مما يتفاعل في نفس أبيهم، ولا يعلمون بحقيقة معاناة امهم مع حذائها البالي . فكل ما يهمهم هو اللعب بعد المدرسة . والمجدرة مؤمنة دائماً . وفي الواقع كان ابو جميل مسروراً لأن الحسون ظل عندهم، وسيداويه هو بنفسه. سيأخذه غداً في غياب ابيه الى الصيدلي ليرى ما علته . ولماذا الصيدلي؟ الأستاذ لطفي، وهو خريج علوم بيولوجية، ويعلمهم في المدرسة العلوم ، يفهم في سقم هذا العصفور من دون شك. سيعرضه عليه غداً في المدرسة قبل بدء الدروس. وكان هذا الرأي هو الذي تداوله الولد جميل في ذهنه الصغير قبل ان يخلد الى النوم .<br />
<br />
بيد ان هذا الذهن الصغير نما كثيراً في الليل، فتمدد واتسع بحيث رأى جميل في المنام الكوخ وقد صار منزلاً فسيحاً فيه حجرات عديدة، له حجرة خاصة، وكذلك لأخوته، فلكل منهم حجرة، ولأبيه وامه حجرتهما ، فيضحك لتمكنهم جميعاً من النوم في حجرة واحدة محشورين كالسردين في العلبة.<br />
ولكن ابهى ما رآه ليس البيت الرائع والأثاث المترف. بل الحديقة الغناء القائمة، خلف المنزل وفيها الأشجار المثمرة وغير المثمرة التي تغرد العصافير على افنانها بحبور، والحسون بينها وكذلك الكناري اللذان كانا يتنقلان من غصن الى آخر، فيما هو ينظر اليها راضياً والفرح يتدفق من عينيه اللتين كانتا حزينتين غالباً. هما الآن متهللتان مستبشرتان تفيضان عذوبةً ولا اثر للدمع المتجمد فيهما. فيمد كفه الى الحسون والكناري ببعض القنبز، فيأتيا اليه فرحين مزقزقين، ليلتقطا الحب من كفه المبسوطة الى اعلى، الى الشمس والهواء. يا للبشر! ما اجمل الكون طالما فيه شمس وهواء واشجار وعصافير وديعة تحتكر البهاء في الألوان والأصوات والسلوك .<br />
كان عالماً مسحوراً عاش فيه جميل طيلة الليل. واي عالم اجمل واروع من كون تتلألأ فيه الأجنحة الملونة تحت أشعة الشمس، متمايلة مع الهواء ، في تنقلها بين الأشجار والأفنان . <br />
لكن الأكوان السحرية لا تدوم. فمع طلوع الشمس تتوارى ظواهر الليل في العدم مع تفتت الأحلام، فتتبعثر ذراتها الهيولية في الهواء .<br />
<br />
يتأفف ابو جميل عندما يفتح القفص في الصباح ، ويجد الحسون نافقاً. ثمنه خمسة دولارات... لم يبقى شيء من مكسب الببغاء العاهرة. لا بد من الإستدانة من البقال .<br />
<br />
وحينما اخرج الحسون النافق من القفص ودخل الكوخ، مكتئباً، ران الوجوم على الجميع، المرأة والأولاد . ولم يبك جميل ، لأن عينيه تجمدت الدموع فيهما من جديد .</span><br />
</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-30623353377154029602011-04-20T00:31:00.000+03:002011-04-20T00:31:19.862+03:00قتل اريغوني عار علينا<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
من القتيل؟ انه الإيطالي الإنسان الآدمي فيتوريو اريغوني الذي آثر القدوم إلينا في غزة المحاصرة مشاطرا أهلها بؤس الحصار والام القهر الذي تمارسه إسرائيل على الأطفال والمرضى والجياع، متخليا عن ربوع بلاده الجميلة التي قال قيها الشاعر الإنكليزي الأشهر لورد بايرون: "لو فتحتم قلبي ستجدون منقوشا عليه كلمة ايطاليا..." <br />
<br />
وعندما يترك هذا الإيطالي الرائع بلاده، ببحيرتيها – أو قل جنتيها – كومو ولوغانو في الشمال، مع جسر التنهدات ومقاهي الأرصفة في ساحة التنهدات ومقاهي الأرصفة في ساحة سان ماركو في البندقية وينحدر جنوبا الى فلورنسة مهد الحضارة الأوروبية الحديثة، ومنبع الفن الخالد، من بوتشللي وميكيل أنخلو برائعته المرسومة المونليزا، وصولا الى نابولي في الجنوب حيث شاطئ "لامرجيلينا" قرب اليخوت المترفة بالحياة والجمال، وانتهاءً بجزيرتي كالبري واسكايا مع كل معالم الفَتنة والسحر فيهما... حين يتخلى هذا الإيطالي السمح عن كل هذه المباهج ويؤم بلادنا الحزينة، متخذا من غزة موطئا لدفاعه عن الحق العربي في وجه الظلم الصهيوني، رافعا بيده العلم الفلسطيني، مؤكدا استحالة القضاء على شعب يصر على البقاء ولو أمام جحافل الغزاة بدباباتهم وطائراتهم وأساطيلهم، يكون هذا الإيطالي الغريب، أشرف منا جميعاً، نحن العرب الفلسطينيين – وغير الفلسطينيين لأن القضية قضيتنا، والأرض أرضنا.<br />
<br />
ومن هم القتلة؟ هم نحن، الذين قابلنا المليح بالإساءة، متخليين عن جوهر قيمنا العربية الأصيلة، في وفادة الضيف، وقد رسول الله محمد بن عبد الله (ص): "انم جئت لإتمام مكارم الأخلاق".<br />
<br />
وهل من مكارم الأخلاق أن نغدر بمن آزرنا وقاسمنا المعاناة والبؤس، وحمل همنا وتجرع المرارة في سبيل حقنا السليب؟<br />
<br />
نعم، نحن غدرنا بك أيها الإيطالي الشريف. وقدمناك ضحية لجلاديك الذين يكثرون من ذكر الله في كلامهم، وإن كانوا بعيدين، كل البعد عن كلام الله، في أفعالهم.<br />
<br />
هل يفقه القتلة الأغبياء معنى قول الرسول(ص): "أفضل للمؤمن ان يموت مقتولا، من أن يعيش قاتلا". <br />
</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-59095417055752580602011-04-20T00:26:00.000+03:002011-04-20T00:26:19.662+03:00السرقات الأدبية عند العرب<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
وقائع السرقات الادبية عند العرب كثيرة جداً ويصعب حصرها ، منذ مآل قصيدة " اليتيمة " لشاعر مغمور من بلدة منبج في شمالي سورية في القرن الخامس الهجري ، حيث سرقها منه شاعر مجهول أخر بعدما قتله وهما في الطريق الى نجد ، ليشتركا في مسابقة بين شعراء للحصول على قلب أميرة في تلك المنطقة . وكانت هذه القصيدة التي عرفت باليتيمة هي القصيدة الفائزة بتلك المسابقة . غير أن الأميرة المذكورة شككت في نسبتها للشاعر السارق ، واجبرته على الإعتراف بحقيقة فعلته ، فعوقب .<br />
<br />
هذا في الماضي السحيق ولا مجال الآن في هذه العجالة ذكر تلك الوقائع من هذا النوع . لكن في العصر الحديث يعتبر ما أقدم عليه الكاتب العربي المصري يوسف السباعي أفظع سرقة في تاريخ الادب . إذ جرؤ على الإستيلاء على رواية والده غير المطبوعة بعد وهي رواية بعنوان " السقا مات " التي تعتبر من أهم الروايات في الأدب العربي الحديث ، وقد أطلع عليها مؤلفها محمد السباعي احد اصدقائه قبل وفاته. ولهذا ، حينما نشر يوسف السباعي هذه الرواية بإسمه ، لا بإسم ابيه ، انبرى ذلك الصديق وانتقده بكلام جارح <br />
<br />
بيدا ان يوسف السباعي وقد لمع نجمه اخيراً ، وعين وزيراً للثقافة في سبعينيات القرن الماضي ، إقتص من صديق ابيه الذي كان قد فضحه على الملأ فأبعده كموظف حكومي الى اسوان حيث مات الأديب مقهوراً <br />
<br />
ومن يقارن بين رواية " السقا مات " وجميع أعمال يوسف السباعي يلحظ الشقة الشاسعة بين رواية محمد السباعي المسروقة ، واعمال ابنه ، من حيث العمق والمعرفة في شتى دروب الحياة اللذين عرف بهما محمد السباعي ، إزاء سطحية أعمال الإبن وضحالة ثقافته ، كما يتبين لقارئ هذه الأعمال مثل "إني راحلة " وهي الرواية التي يعتز بها السباعي الإبن " ومبكى العشاق " التي تضمنت عديداً من القصص القصيرة ، مما يجعل الأمر وصمة في تاريخ هذا الكاتب الذي سطا اهم عمل لوالده ، بعد وفاته <br />
<br />
وقبل ان يلقى يوسف السباعي حتفه برصاص جماعة من الفلسطينيين في قبرص ، ثأراً من الرئيس المصري آنذا أنور السادات بعدما تفاقم الخلاف السياسي بين الدولة المصرية ومنظمة التحرير الفلسطينية .<br />
<br />
وجدير بالذكر أن يوسف السباعي امتعض من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين حينما قال له ذات يوم : ( أبوك يكتب أفضل منك ) ولا بد أن عميد الأدب العربي قد وقف على واقعة استيلاء يوسف السباعي على رواية ابيه الخالدة " السقا مات " .<br />
</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-8464135419651655482011-04-16T00:31:00.000+03:002011-04-16T00:31:33.698+03:00اليدان<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />
كانت ما أجمل اليدين إنّهما في طرفيّ الساعدين كالزهرتين في أعلى الغصن. وهل يكتمل رونق الجسم من غير اليدين؟<br />
<br />
كان دائماً ينظر إلى يديه بإعجاب. يرسم بهما ظلالاً معبّرة على الحائط مستفيداً من انعكاس الضوء. وهو لا ينسى إنّه بهما أمسك أوّل لعبة حصل عليها من أبيه. وكذلك أمسك بهما أوّل كتاب تعلّم فيه. وفي ليالي الشتاء الباردة بهما كان يمسك بطرف اللحاف ليدثّر رأسه. <br />
<br />
وظلّت يداه لغزه المحيّر الجميل طيلة سني طفولته، لا يتخيّل جسمه من دونهما. وعندما صار فتياً، بهما فضّ أول غلاف رسالة من فتاة أوّل حب في حياته. وكذلك بهما مسح دموعه الأولى عند وفاة أمه.<br />
وفي الجندية كانت يداه المرنتان أداتيه في التفوّق على رفاقه حيث تعلّم في المعهد العسكري معالجة صواعق المتفجرات وإبطال مفعول القنابل. ولهذا رُقي الى رتبة عريف ثم رقيب بسبب مهارة يديه اللتين بات بفضلهما من أهم خبراء المتفجرات في البلد، وبه يستعان في إفساد كثير من عمليات التخريب والقتل بهدف إشعال فتيل الفتن والاضطراب.<br />
<br />
والآن، بعدما بُترت يداه خلال معالجته إحدى المتفجرات، منذ ثلاثة شهور مرّت عليه عصيبة ومثقلة بالحزن والشؤم، لم يعد اللغز المحيّر قائماً. صار جسمه كالغصن العاري من أي زهرة. وأشدّ ما يؤلمه عدم مسح دموعه التي تهطل من عينيه. ويتزايد الدمع في جريانه حين يرتمي ابنه الأصغر في حضنه على السرير المسجّن عليه فيفتقد يديه ليداعب بهما شعر هذا الطفل الناعم.<br />
وفشلت تطمينات امرأته: لن ينقصنا شيء، فمرتبك التقاعدي يكفينا. وغداً يكبر أبناؤك ويعملون وسنكون بخير. الولد الأكبر في الخامسة عشرة. أنهى تعليمه المتوسط وهذا يكفي من التعليم. سوف يتعهد خاله الحّداد ويجعل منه معلماً في الصنعة في غضون سنتين. فلا تجزع على مستقبل أولادك يا حبيبي لكن اليدين غاليتان يا إمرأة. فيهما أخذتك بين ذراعيّ دائما. وبهما كنت أقشر البرتقال والفستق لأطفالي. هل تنسين الوردة الأولى التي نبتت في حديقتنا الصغيرة وقد قطفتها بيديّ وقدمتها لك عربون حب؟ لن أستطيع فعل ذلك من جديد ولا أعتقد بأن أي وردة ستتفتح في حديقتنا بعد الآن. فاليدان اللتان كانتا ترعيان هذه الحديقة اختفتا إلى الأبد. ومعهما اختفت بهجة العيش الهنيء. صحيح إننا كنا فقراء وينقصنا الكثير. غير إن الدنيا كانت طافحة بالبشر طالما كانت هناك يدان تداعبان أيدي الأحبة وتلتقطان الخبز والطعام من على المائدة.<br />
كان الرقيب المبتور اليدين يحدّث نفسه وفي خلده انه يحدّث زوجته الحسيرة الرأس والدامعة العينين. وفي هذه اللحظة تحسّر على يديه. إذ أحس برغبة جارفة في كفكفة دموع هذه المرأة الكسيرة الفؤاد. وكان في قريرة نفسه يشعر انها تفضّل لو فقدت إحدى عينيها، بل يديها وبقيت له يدان.<br />
<br />
حين جاءوا له بيدين اصطناعيتين من المعدن ليستعيد بهما على قضاء حاجته. نفر منهما. ما هذا؟ معدن مغروس في طرفي ساعديه! كان يمقت كل شيء هجين. أبى ذات مرة أن يلبّس احدى أسنانه بوعاء ذهبي. لا يمكنه اختلاط المعدن بالجسم البشري. وهو كائن إنساني وليس شيئا آليا، مثل الذي يراه في التلفاز أو يشاهده في المجلات. ليس بوسعه قبول جزء زائف في جسمه. وعلى كل حال لن تستطيع هاتان القبضتان المعدنيتان ذوتا الأصابع الغريبة المصنوعة على شكل ملاقط، أن تعوّضا عليه فقدان اليدين الغاليتين اللتين كان يربت بهما على شعر إبنه الصغير، ويرسم بهما له ظلالا معيّنة على الحائط. فما أقبح الإنسان بلا يدين يقطف بهما وردة يقدمها لحبيبته في ساعة الفرح، ويمسح دموعها في لحظات الأسى.</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-3323980779459389552011-04-16T00:27:00.001+03:002011-04-16T00:29:27.754+03:00بدايات الانتفاضات الشعبية<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;"><br />يتساءل كثيرون: كيف بدأت الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت الوطن العربي دفعة واحدة، ومتى؟<br /><br />يجيب على هذا التساؤل الكاتب والصحافي البريطاني روبرت فيسك في جريدة "الإنديبيندنت" اللندنية صباح الخامس عشر من شهر نيسان عام 2011 بالآتي:<br /><br />يظن معظم الناس أن واقعة الشاب العاطل عن العمل والذي منعته البلدية في إحدى بلدات تونس، من بيع الخضار على عربة، برغم كونه خريج إحدى الجامعات، المدعو "البو عزيزي". وإقدامه على الانتحار حرقا، هي السبب الأول لاندلاع الثورة التونسية، والتي أعقبها الثورة المصرية ثم ما حدث ويحدث في اليمن والبحرين وليبيا وأخيرا في سوريا. يؤكد هذا الكاتب الضليع في متابعة شئون الشرق الأوسط، ومؤلف كتاب "ويلات وطن" أن البداية لم تكن من تونس، بل من لبنان، إثر اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق الشهيد رفيق الحريري، حيث سارت في لبنان، من كافة المناطق وصولا إلى ساحة الشهداء في بيروت أكثر من مليون لبناني احتجاجا على هذه الجريمة، الأمر الذي أدى إلى خروج القوات السورية من الأراضي اللبنانية.<br /><br />ويقول فيسك: كانت هذه التظاهرة المليونية العارمة، المليونية التي إستولدت تظاهرات مليونية مشابهة عارمة أخرى، وان لم تكن مليونية، في البحرين وسورية.<br /><br />ما كتبه فيسك يؤكد حقيقتين. أولهما أن الوطن العربي وحدة متماسكة، ما يحدث في أية عاصمة منه، يترك أثرا في العواصم الأخرى وثانيهما أن العالم لم يعد بلدانا منعزلة عن بعضها. بل أصبح ما يجري في بلد ما يترك صداه في البلدان الأخرى، بفضل وسائل الاتصال الحديثة التي يؤمنها الإنترنت؛ الفيس بوك وتويتر وغيرهما من منجزات العلم الحديث، إضافة إلى أن المتداولين في هذه الشؤون هم من طلبة الجامعات ذوي العلم الواسع في مجريات الكون، والمعرفة العميقة والحس المجتمعي الذي يدرك أن العالم أضحى الآن عبارة عن قرية صغيرة.</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-29560878398624370262011-04-13T00:40:00.009+03:002011-04-13T01:14:53.144+03:00في المأوى<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;">كانت الليلة الأولى لها في المأوى الذي أتى بها إليه و لداها من أشدّ ليالي عمرها المديد قهراَ .لم تستطع النوم .كما لم تفارق الدموع عينيها الكليلتين .ليغفرالله لهما هذا التصرف .ما ضرّهما لو بقيت في البيت الحبيب الذي عاشا فيه أمتع سني حياتها مع زوجها المرحوم ,ومعهما ابنيها الغاليين؟<br />
<br />
البيت فسيح ,يتسع لهم جميعا ,هما و زوجتاهما و أبناؤهما ,أحفادها,الذين لا تقل ّ محبتهم في قلبها الواهن عن محبتهما ,هما فلذتا كبدها .و ماذا كانت تشغل هي من البيت غير ركن صغير في حجرة المؤونة ؟<br />
<br />
تتذكّر المرأة الطاعنة في السن ,أنها كافحت طويلا مع زوجها لشراء هذا البيت و تأثيثه ليغدو دنياها السعيدة طيلة ربع قرن .بيد أن تغّير ما يخاله المرء سرمدياَ حوّل كل شيء بخلاف ما املت .فالولدان كبراَ,و كبرت معهما الهموم .فكان لا بدّ لها من إفناء جسمها ,و يخاصّة عينيها ,على ماكينة الخياطة لتعيلهما و تعلمهما بعد وفاة أبيهما .<br />
<br />
لكنهما كانا دائماَ إبنين محبّين لها يقدّران تضحياتها .لو لا زوجتاهما اللتان لا تدري حقاَ لماذا كانتا تكرهانها و توغران صدري أبنيها عليها .لكنهما ما زالا صغيرين ,و إن تجاوزا الخامسة و العشرين ... و هي لا تحقد عليهما ... بل تجد لهما إعذارا.فالمرأتان الصبيتان ليستا من لحمها و دمها .و هما ضاقتا ذرعا بها,لم يعد منها نفع .و هي بحاجة الى من يساعدها لقضاء حاجتها .لعن الله الشيخوخة .كانت تظن قبلا إنها ستبقى قوية كالجمل ,لا تبرك أبدا. أما و قد آل حالها إلى هذا المآل ,فالملوم في كل شيىء هو القدر .فلو بقي زوجها حيا,حتى و لو كان طاعنا في السن مثلها ,لما كان مصيرها المأوى .فالرجل رجل و لو صار شيخا .و جوده يثري حياتها .و هيبته لاتدع مجالا للولدين في هذا المكان .فرفقته رائعته .لم يعد أمام ناظريها سوى أحفادها الذين تحلقوا حولها و أخذوا ينشجون حينما مضى أبواهما بها خارج البيت في الطريق إلى المأوى .<br />
لا ,لم يكن أحفادها و حدهم قابعين في عينيها الدامعتين .بل و لداها أيضا يخطران و هما بعد صغيران كأبنائهما .لقد حبوا في هاتين العينين قبل أن يحبوا على بلاط الدار .إنها تراهما الآن يراجعان دروسهما على مقربة منها حيث تجلس أمام ماكينة الخياطة ,فتشعر بأن الكون كله لا يتعدّى هذين الكائنين الحبيبين .فمن أجلهما عانت و ظلت وفيّة لذكرى أبيهما تأبى إشراك رجل آخر في حياتهما .<br />
<br />
ومع نموهما ,كان ينمو في قلبها الأمل فترى المستقبل مشرقا إذ يعوض هذان الولدان عليها كل ما عانته من أجلهما .ليسامحها الله .ماضرهما لو بقيت معهما و مع أحفادها في البيت , بيتها ؟لكنهما معذوران فامرأتاهما ما كنتا تطيقانها .مع أنها لم تكن تسبب لهما أي إزعاج ,إلا في ما ندر .و خصوصا في المدة الأخيرة حيث تكفل أبنائها بأخذها إلى الحمام بدلا من المرأتين الشابتين التين كانتا تقرفان منها . لقد إنصرم النهار الثاني و إقترب الليل بثقله .يا لهذه الساعات الطوال التي سوف تقضيها في عذاب مستديم .لكنه ,في الليل سيتسع رأسها المضطرب لذكريات كثيرة ,أثيرة لديها .لن تتذكر تذمر كنتيها منها ,و منعهما أحفادها من القدوم إليها في حجرة المونة في غياب و لداها .إنها تتذكر فقط كيف كان و لداها في سن أحفادها ,صغيرين يزرعان البسمة على شفتيها و الألق في عينيها .أما كانت تقول لجاراتها إن ضوء الشمس يشرق من عيون طفليها ؟<br />
<br />
حتى في وهدة الليل ,وهي تترقب طلوع النهار التالي ,تسمع غطيطهما الوديع في الحجرة التي كثيرا ماتترك ماكينة الخياطة لتمضي إليها ,فتقترب من سريرهما بخطى متمهلة لتدثرهما بالأغطية خشية البرد ,و لتكحل بؤبؤي عينيها المتعبتين برؤيتهما .فقد كانا كل حياتها و لسوف يبقيان هكذا ,حتى ولو جاءا بها الى هذا القبر المفتوح حين كبرا و تزوجا و أنجبا .فحب الام لا يتغير مهما تغيرت الايام ,و مهما إعترى الذاكرة من نسيان .هما الآن نائمان ,كل منهما إلى جانب إمرأته,مطمئن الى أن أطفاله يرقدون في بيته بسلام .<br />
<br />
ها قد طلعت الشمس أخيرا.لا شك أن إبنيها وأفراد عائلتهما الآن قد نهضوا من نوم هنييء ,ويتناولون الفطور قبل ذهاب الاولاد إلى المدرسة ,كما كان حالها و هما بعد صغيران و مع كل الاسى المتراكم في صدرها ,و مع هذه الدموع التي تغشى بصرها .أحسّت أنها سعيدة أو ليسا سعيدين مع أبنائهما و زوجتيهما ؟هذا يكفي .إبتسمت المرأة العجوز متغلبة على ما تخثر في مآقيها من دمع ,إذ أدركت الآن إن جدار هذا المأوى لا يمكن أن يفصلها عن الأحبّة الذين عاشت من أجلهم و لسوف تموت بهدوء كيلا تزعجهم . </span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-1271959166559824977.post-9520062502394160922011-04-08T12:40:00.000+03:002011-04-08T19:44:20.498+03:00سرقات المشهورين الأدبية<div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on"><div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: tahoma; font-size: 14pt; line-height: 115%;">لعل أهم سرقة في تاريخ الأدب العالمي هي ما اقترفته يدا الشاعر الإنكليزي الأشهر ويليام شكسبير قصة "روميو وجولييت". فهذه القصة كتبها قبل شكسبير بعشرات السنين، الكاتب الإيطالي ماتيو باندللو بعنوان "عاشقا فيرونا". فجاء ِشكسبير وحولها مسرحية بعنوان "روميو وجولييت". وذاع صيت هذا العمل الأدبي في جميع أرجاء العالم. في حين ظلم صاحبه الأصلي الكاتب الإيطالي من حقه في الشهرة التي اقتنصها منه الشاعر الإنكليزي.</span><br />
</div><br />
<br />
<div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: "Arial Unicode MS", "sans-serif"; font-size: 14pt; line-height: 115%;">أما السرقة الأدبية الضخمة الأخرى فهي "الكوميديا الإلهية" لمؤلفها الإيطالي دانتي اليغيري، وقد اعتمد فيها على الكتاب أبي علاء المعرّي "رسالة الغفران" الذي كان معروفا في الثقافة اللاتينية لعالمين اثنين: أولهما شيوع الثقافة العربية في الأندلس إبان الحكم العربي لإسبانيا وما بعده. والذين نقلوا فلسفة أرسطو اليوناني إلى اللاتينية بشروحات ابن رشد وسموها الأرسطوطالية الرشيدية, لم يكن من العسير عليهم نقل امهات الكتب العربية إلى اللاتينية, ومن بينها :كتاب "رسالة الغفران" للمعري.</span><br />
</div><br />
<br />
<div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: "Arial Unicode MS", "sans-serif"; font-size: 14pt; line-height: 115%;">يؤكد حكمنا هذا أن شكسبير احتفظ بمسرح قصته "روميو وجولييت" مدينة فيرونا الإيطالية, التي ذكرها باندلو مسرحا لقصته "عاشقا فيرونا", وفي السنوات التي كان فيها الكاتب الإيطالي على قيد الحياة، حيث الواقع الإيطالي بملابس رجاله ونسائه والعادات والقيم كما عرفها الكاتب الإيطالي نفسه.</span><br />
</div><br />
<br />
<div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: "Arial Unicode MS", "sans-serif"; font-size: 14pt; line-height: 115%;">أما بالنسبة الى مؤلف دانتي "الكوميديا الإلهية" فليس من باب المصادفة أن يذكر هذا الكاتب كل شخصياته ومؤلفاتهم لأدباء من إيطاليا، من العهد الروماني إلى ما بعده مثل فيرجيل وغيره. في حين أن المعري ذكر في كتابه "رسالة الغفران" أسماء شعراء جاهليين وإسلاميين وأعمالهم، من كعب بن زهير وسواه. فيكون الكاتب قد اعتمد في نصه على مؤلف أبي العلاء كليا، وإن صاغه بأسلوب آخر إطاره الفكر المسيحي حول الفردوس والجحيم والمطهر، فيما جعل أبو العلاء لحمة كتابه وسداه الفكر الإسلامي عن الدنيا والآخرة مثل الجنة والنار والطريق الموصول بينهما.</span><br />
</div><br />
<br />
<div class="MsoNormal" dir="rtl" style="direction: rtl; text-align: justify; unicode-bidi: embed;"><span lang="AR-LB" style="font-family: "Arial Unicode MS", "sans-serif"; font-size: 14pt; line-height: 115%;">والمعلوم تاريخا أن الثقافة العربية عّمت جنوبي ايطالية في القرن الثاني عشر الميلادي، إبان حكم الأغالبة لها ومن الطبيعي أن تكون الثقافة العربية متداولة في تلك البلاد بشكل واسع. والكتب العربية المهمة كانت بدورها متداولة بين أوساط المفكرين، بل والمثقفين الإيطاليين في ذالك الزمن.</span><br />
</div><br />
<br />
<div style="text-align: right;"><span dir="rtl" lang="AR-LB" style="font-family: "Arial Unicode MS", "sans-serif"; font-size: 14pt; line-height: 115%; mso-ansi-language: EN-US; mso-bidi-language: AR-LB; mso-fareast-language: EN-US;">أما جوفاني بوكاتشو الإيطالي مؤلف "الديكاميرون" فقد اعتمد أسلوب وفحوى قصة "ألف ليلة وليلة" بحيث تتناسل القصص من بعضها على غرار ما ذهب إليه المؤلف العربي المجهول. هذا بالطبع ليس عائدا إلى المصادفة وحدها، إنما يعود إلى إطلاع المفكرين والمثقفين الإيطاليين على النص الفريد في تلك المرحلة المضيئة من التاريخ العربي في جنوب إيطاليا.</span></div></div>عوض شعبانhttp://www.blogger.com/profile/11425975590682417178noreply@blogger.com0