موت شاعر عظيم


غيب الموت هذا الأسبوع أديب عظيم الأثر واسع الثقافة قلما وجدت هذه الصفات في أديب آخر. انه الشاعر المبدع والكاتب الموسوعي جوزيف حرب الذي لم يتميز بالأغنيات الرائعة التي نظمها لفيروز امثال: "لبيروت من قلبي سلام لبيروت... من قمر، من صخرة كوجه بحار قديم" وغيرها من الأعمال التي تغنت بالجنوب والجبل والانسان. في "أواخر الأيام" التي شاهدناها على محطات التلفزة في احدى دول الخليج العربي كان جوزيف حرب يتحدث عن شعراء وحكام في اواخر حياتهم، فإذا به ملما بأدق التفاصيل التي جبلة حياة أولائك الأدباء في أواخر أيامهم، وهو لم يستقها من كتاب "الأغاني" أو غيره من الموسوعات الأدبية.  انما كان ذلك حصيلة دراسات معمقة في الثقافة العربية، فاجئتنا، نحن مدعي الثقافة، باننا نسبح في يم ضحل المياه. جوزيف حرب المبدع العظيم لم تتعرف اليه الدولة ففاتها تكريمه بما يستحق، هو الأمين العام السابق لإتحاد الكتاب اللبنانيين،  والرئيس السابق أيضا للمجلس السياسي في الجنوب أيام الحركة الوطنية.  وهو اليوم يؤكد لنا انه كان أكبر من كل تكريم.  فأعماله ستبقى منارة مضيئة في دنيا الثقافة اللبنانية والعربية.

الملعونون


عدة شخصيات اغترابية رسمها الكاتب في هذا الكتاب الذي زعم انه قريب من الواقع إن لم يكن جزءا منه. وهذه الشخصيات ليست متساوية في الميول والنزعات والأهداف. ففيها السوي. وفيها القابل للإنحراف، وان كان الطموح الى الإثراء هاجس الجميع حيث هو القصد من هذا الإغتراب في الأساس.

في هذه الروايات الأربع القصيرة، نكتشف وحدة المشاعر الإنسانية لبني البشر، حيث يسعى كل منهم الى الخير ومنفعة الناس. لكن عوامل عديدة تغير اتجاه بعضهم وتجعله غير قابل للتعايش، فيغدو نتوءا على صفحة الأرض.

الكتاب عن دار الفرابي


سمعنا خلال الإحتجاجات التي شهدها ميدان التحرير في القاهرة، بعض الأصوات الناشزة وهي تطعن بمرحلة كبير هذه الأمة الراحل الرئيس جمال عبد الناصر. واستغربنا كيف يستطيع بعض المارقين التافهين الإساءة إلى رجل كرّس حياته من أجل عِزَّةِ الأمة العربية وتخليص الشعب المصري من ظلم الإقطاع والإجحاف المتمثلين بطبقة الباشاوات والبكوات الذين طالما استمرئوا استعباد الفلاحين والعمال وجميع الطبقات الدنيا.

لقد ورث عبد الناصر من نظام الملكية البائد أبشع صور الإضطهاد والفساد. لكنه بثورته على معاقل التخلف و الظلم تمكّن من أن يمحو صفحة البؤس من تاريخ مصر الخمسينيات وكانت قرارات تأميم المصانع والمزارع والأنشطة الإقتصادية الكبرى، مع تأمين العلم والطبابة والعمل للجميع، إضاءة ساطعة تنير دياجير العتمة في الحياة االمصرية. فعاش مئات ألوف الفلاحين في رحاب الإصلاح الزراعي، حيث بات الفلاح الفقير مالكاً أرضه وسيد مصيره للمرة الأولى منذ عهد الفراعنة. وصار العمال يشاركون في إدارات المصانع التي يعملون فيها.

وجاء تأميم قناة السويس بمثابة اللبنة الأساسية في مدماك البناء الوطني الذي اكتمل مع معجزة السد العالي والتصدي للعدوان الخارجي الذي قامت به كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. ولم يكن انتصار مصر في تلك المرحلة سوى انتصار للأمة العربية كلها، وهي كانت تتوق لعهد جديد تذوق فيه حلاوة العز بعد أن ذاقت مرارة الذل والقهر طويلاً.

إن المد القومي الذي تُوِّج بقيام الوحدة بين مصر وسوريه العام 1958 – وإن اعقبه الإنفصال بعد ذلك، كان الوميض المشع للعرب جميعاً من محيطهم إلى خليجهم. فهل ننسى كل هذه الأمجاد في زحمة الزمن الرديء الذي تعلو فيه الأصوات الناشزة الجاحدة بصانع تلك الأمجاد؟

كلنا يعلم من يدفع بعض الشبان المغرر بهم إلى رفع عقيرتهم بالإساءة إلى ذكرى جمال عبد الناصر. فهم المحسوبون على تلك الجماعات التي ناصبت قائد الثورة العداء منذ اليوم الأول، حين أعلنت شعاراتها القائلة بأن لا حكم إلّا بالقرآن. وكأن القضاء على الإقطاع، ورفع الغبن عن كاهل الفقراء يغاير آيات القرآن الكريم؟

لقد استمرت هذه الجماعات المارقة في عدائها لعبد الناصر، وحقدها عليه، حتى بعد وفاته، مشوهة ذكراه، وفي خلدها أن من اليسير محو ذاكرة الناس الطيبين. وهم الذين يعرفون جيداً أن هذا الرجل العظيم عاش في بيت عادي في ثكنة للجيش، لا يملك من الدنيا غير اسمه الناصع وإنجازاته التي لا تُنسى. فلم يترك وراءه مالاً أو أملاكاً. إنما ترك لمحبيه ومقدري افعاله إرثاً يفوق في عطائه مال الدنيا اجمع. الأمر الذي يؤكد أن مرحلة عبد الناصر كانت وما زالت مصدر فخار لا عار.


مصر التي يصفها أبناؤها بالمحروسة، ويقولون متباهين إنها أم الدنيا وأم العرب وحاضنة أمجادهم قديماً وحديثاً. لكن مصر الغالية هذه تعاني الآن إعصاراً رهيباً سببه جماعة التكفيريين الذين لا يسعون إلى تقدم البلد وأهله، بل إلى وضع العراقيل ألكأداء أمام تعايش الشعب وطنياً واجتماعياً ومصيرياً، بتأجيج النعرات الطائفية التي ما دخلت في شيئ إلاّ وأفسدته.

هؤلاء التكفيريون الذين يكثرون من البسملة والحوقلة في أحاديثهم قلما يفقهون ماذا يتكلمون عنه، فاسم الله الرحمن الرحيم لا يدعو لغير المحبة والرأفة والتسامح. وتوجيه الحمدلله يعني أن نشكره على أنه خلقنا أخوة متحابين، لا متباغضين، وهو القائل :" ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة" وكذلك قوله تعالى:"إنما خلقكم أمما وشعوباً لتعارفوا" والتعارف هنا يعني التعايش والتحابب. كما أنه القائل :"لا فرق بين عربي وعجمي إلّا بالتقوى" والتقوى هنا تعني من جملة ما تعنيه ألبر والتعاون والتآلف.

هؤلاء التكفيريون الداعون إلى "التمسك بنهج السلف الصالح" يتجاهلون أن السلف الصالح ، بإستثناء الخلفاء الراشدين، لم يكن أفراده صالحين دائماً. إلاّ اذا تغاضينا عن مصارع أحفاد رسول الله وآل بيته على أيدي خلفاء بني أمية، وبني العباس.
إن مصر الغنية بشطري الأمة، مسلميها ومسيحييها، كانت دائماً موئلاً للحضارة والمجد والعمران. ومن نافلة القول إن وحدة شعبها هي التي صنعت الحضارة والمجد والعمران. ويذكر التاريخ الحديث أن مكرم عبيد باشا، الوزير المسيحي، في حكومة مصطفى باشا النحاس، قرر فرض تدريس القرآن الكريم في جميع مدارس مصر في تلك الحقبة، سعياً منه لتمتين آواصر الوحدة بيت أبناء شعب مصر، إضافة إلى تعزيز قدرة التلاميذ على فهم اللغة العربية الفصحى. وإذا ذكرنا حضارة مصر العريقة، فلا بد لنا من ذكر صحيفة "الأهرام" ومؤسسها المسيحي بشارة تقلى. وكذلك مجلة الهلال ومؤسسها جورجي زيدان والمقتطف التي انشأها آل صروف... وغيرها كثير وكثير.

قال رئيس وزراء لبناني أسبق، المرحوم تقي الدين صلح: "إن لبنان بخير طالما يُسمَعُ فيه جرس الكنيسة يُقرَع". وما قاله هذا الرجل الذكي ينطبق على حاجة مصر إلى سماع نواقيس كنائسها ، لأن في ذلك تأكيداً على حالة الوئام بين شطرَي الشعب المصري، وهو وئام حمته وسواه التسامح والتعاون لما فيه خير البلاد وشعبها جميعاً.
إن قادة مصر العظام كانوا دائماً يستنيرون بأفكار وإمكانيات وزرائهم ومستشاريهم المسيحيين، بدءاً من محمد علي باشا مؤسس الدولة الحديثة في مصر الذي اعتمد في بناء قدراته العسكرية على مستشاره سليمان باشا الفرنساوي. وسعد زغلول اعتمد أيضاً على مستشاريه الخلص ومنهم مسيحيون. وجمال عبد الناصر نحا هذا النحو، وكان من أخلص مساعديه الوزير القبطي كمال رمزي إستينو. فهل أخطأ هؤلاء العظام أم أصابوا ؟

لقد أصابوا بالفعل والدليل على ذلك أنهم بنوا دولة قوية مرهوبة الجانب، ويعيش شعبها بتآلف ووِد ومواطنة صحيحة. وعلى هذا ينبغي تسفيه دعاوات جماعة التكفيريين الذين دأبوا على تأجيج نار الفتنة بين المسيحيين والمسلميين، لتبقى مصر المحروسة أم الدنيا وحاضنة أمجاد العرب، وهذا لا يكون بمهاجمة الكنائس وإحراق بيوت الأقباط. ونُفَعِّلْ مضمون التحية العربية الإسلامية : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وهذا يعني السلام لا الحرب والرحمة لا الظلم.


ما هو مدلول الغباء إجتماعياً؟ إنّه نقيض الفهم الكامل للنفع العام والخاص. فيكون مجافات هذا النفع غباء ضاراً بمن تكون هذه صفته. ولهذا عرّّف الأجانب صفة المنفعة بالبراغماتية التي تعني في ما تعنيه "التصرّف العملي".

والتطرف الديني في هذا المجال ملازم للغباء، لأنه يناقض مصالح الناس والبلاد. وحين يغتال بعض المتطرفين سيّاحاً أجانب، لا يجنون من وراء ذلك سوى الإساءة، لا إلى الذين يغتالونهم وحسب، إنّما يضرون بمصلحة البلد وأهلها، لأنّ هذا الفعل الشنيع يحرم هؤلاء الناس الطيبين من المردود الكبير المحصّل من السياحة.

ماذا استفاد هؤلاء المتطرفون من تفجير المقهى المنكوب في مدينة مراكش ذات الطابع العربي الإسلامي؟ لقد أساءوا إلى الناس جميعاً بقيمهم ونزعاتهم الإنسانية والحضارية وكل ما جاء به الإسلام. وهم، المتطرفون، يعلمون جيداً كم أسرة عربية مسلمة في هذه المدينة تعتاش من عائدات السياحة.

إذن، لم يكترث الأغبياء المجرمون بمصائر الأبرياء الذين قتلوهم، أو أصابوهم بالجروح الخطرة متناسين قول الله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الأثم والعدوان". وهذا يؤكد أنّ الجناة لا علاقة لهم بالدين الذي يدعو إلى المحبة والرأفة والتسامح، غير مبالين بشيم رسول الله الداعية إلى مكارم الأخلاق، وهو الذي كان يكرّم الضيف ويحسن وفادة الغريب، ويصر على الحسنى مع جميع الناس، ولو كانوا من غير ملته.

من أين استقى هؤلاء المتطرفون أفكارهم الهجينة؟ من الخوارج الذين تزرعوا بحجج عقيمة ليتمردوا على الإمام علي كرّم الله وجهه إبّان حروبه مع معاوية ابن أبي سفيان، وكان ذلك السبب الأول في إنتصار مكائد معاوية على فروسية الإمام علي. وكان آخر حلقات التآمر على الإمام، يوم قتله غدراً، أحدهم ويدعى ابن ملجم.

فهل يعيد هؤلاء الخوارج، في هذا العصر، الصورة القبيحة المرسومة لهم في ذاكرة العرب من العصر السحيق؟

العالم اليوم، أيها الأغبياء، لم يعد غارقاً في ظلمة التقوقع والعزلة. فهو مجال رحب لجميع البشر. وما يصدر في الغرب من كتب يُقرأ في جميع البلاد، وخصوصاً بلاد العرب والمسلمين. وما ينتج في الغرب من مبتكرات علمية، يتداول في هذه البلاد جميعها، إلا إذا تعامينا عن منجزات الكمبيوتر والهواتف النقالة وأجهزة التلفزة وغيرها من الإختراعات التي ساهمت في جعل العالم قرية صغيرة...

إنّكم، أيها الأغبياء، تخدمون تخرصات دعاة الحروب بين البشر، مؤازرين صامويل هاتنتون حول "صراع الحضارات" وفوكوياما حول "موت التاريخ"... فهل إلى هذا الشأو تقصدون؟

رسائل أقدم