وا خجلتاه من كراتشوفسكي


كان المستشرق الروسي العظيم , بل المستعرب الفذ ,إغناطيوس كراتشوفسكي أهم الأجانب الذين أحبوا العرب و شغفوا بتراثهم الفكري . و حين يقرأ الإنسان العربي سيرة هذا المفكر الموسوعي و يقف على إنجازاته لا يستطيع إلا الإنحناء تمجيدا له و تكريما . فهو الروسي الأورثوذكسي الذي قضى عمره في البحث عن كنوز الحضارة العربية ,و نبش ما هو مدفون في غياهب التاريخ .فمآت الأبحاث و الدراسات التي أتحف بها المكتبة العالمية ,تطرأت حول إنجازات العرب الفكرية ,لدرجة أن المعرفة الإنسانية بدور العرب في التاريخ الحضاري فد تم كشفه ووضعه على مشرحة البحث و التدقيق ,بحيث أن الغرب لم يعد جاهلا لهذه الحضارة التي نفض الغبار عن مكنوناتها , و هي التي كانت دفينة الوف المخطوطات المنسية في أصقاع الأرض .

كراتشوفسكي الذي إستوطن أوزبكستان مع عائلته الروسية ,و كان بعد صغيرا, تعلم لغة القوم ووقف من خلالها على قسط كبير من تراث العرب و المسلمين مضيفا هذه اللغات الأخرى التي يتقنها ,مثل العربية و السريانية و الفارسية و التركية و غيرها ,و عندما قدم اإلى بلاد العرب في القرن الثامن عشر ,. لم يكن دخيلا على هذه الأمة بل كان عالما متخصصا في ثقافتها و تاريخها و عادات شعبها و قيمهم , و في جعبته كتابه المهم الذي ترجمه إلى الروسية "معاني القرآن القريم "و في مدينة حلب حيث إستقر بعض الوقت ,عاش كواحد من أهلها مصطفيا نخبة من أهل البلد رأوا فيه واحدا منهم , يبثونه همومهم و هواجسهم , و اثقين به كإنسان يفيض حبا و معرفة الأمرالذي قربه من هذه البلاد و أهلها , و عمّق لهذه الحضارة التي كاد الإحتلال العثماني أن يطمس معالمها . و هنا جاء دوره في إستجلاء حقيقة هذه الحضارة الرائدة, مبينا للملأ كون الخاضعين للإحتلال أرقى و أعظم شأنا من المحتلين .

لم يسبق لمستشرق أوروبي ان تجانس مع العرب و تعايش معهم , كما فعل كراتشوفسكي , حتى و لا المستشرق الفرنسي غوستاف لوبون صاحب كتاب"الحضارة العربية "الذي يقول في مقدمته :" لم يعرف التاريخ فاتحا أرحم من العرب "...

لقد شاطر المستشرق الروسي أبناء الأمة العربية معاناتهم و جلدهم على المكارة , و ما كانت مؤلفاته في الحضارة العربية سوى دفع العرب ليعيدوا كتابة التاريخ و ضع الحاضرو المستقبل , كما كانوا دائما .و في صورة فوتوغرافية أخذت له في جلسة عربية , ظهر فيها مرتديا القنباز الحلبي , جالسا على البساط الشرقي و ضاحكا مع نفر من جلسائه . و كأن هذه الصورة تعلن مدى تعاطفه مع العرب في السراء و الضراء .

غير أن بعض العرب في هذا العصر المتخلف , أساءوا إلى ذكرى هذا الإنسان العظيم بجهالتهم البربرية و ظلاميتهم المتوحشة . إذ أفدموا بدون وازع من ضمير أو حس إجتماعي , على تفجير كنائس في العراق و مصر ,و قتل و ترض مسيحين من ديارهم ,فيما كان هذا المستشرق الروسي المسيحي من أشد المدافعين عن العرب و المسلمين . و اليوم بعد هذه الردة التكفيرية التي تطوع بها بعض الضالين من أبناء هذه الامة ماذا نقول لروح من أفنى عمره في تمجيد العرب و المسلمين ؟

نقول , و بملء ألأسى : واخجلتاه من كراتشوفسكي !

0 التعليقات:

رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية