سمعنا خلال الإحتجاجات التي شهدها ميدان التحرير في القاهرة، بعض الأصوات الناشزة وهي تطعن بمرحلة كبير هذه الأمة الراحل الرئيس جمال عبد الناصر. واستغربنا كيف يستطيع بعض المارقين التافهين الإساءة إلى رجل كرّس حياته من أجل عِزَّةِ الأمة العربية وتخليص الشعب المصري من ظلم الإقطاع والإجحاف المتمثلين بطبقة الباشاوات والبكوات الذين طالما استمرئوا استعباد الفلاحين والعمال وجميع الطبقات الدنيا.

لقد ورث عبد الناصر من نظام الملكية البائد أبشع صور الإضطهاد والفساد. لكنه بثورته على معاقل التخلف و الظلم تمكّن من أن يمحو صفحة البؤس من تاريخ مصر الخمسينيات وكانت قرارات تأميم المصانع والمزارع والأنشطة الإقتصادية الكبرى، مع تأمين العلم والطبابة والعمل للجميع، إضاءة ساطعة تنير دياجير العتمة في الحياة االمصرية. فعاش مئات ألوف الفلاحين في رحاب الإصلاح الزراعي، حيث بات الفلاح الفقير مالكاً أرضه وسيد مصيره للمرة الأولى منذ عهد الفراعنة. وصار العمال يشاركون في إدارات المصانع التي يعملون فيها.

وجاء تأميم قناة السويس بمثابة اللبنة الأساسية في مدماك البناء الوطني الذي اكتمل مع معجزة السد العالي والتصدي للعدوان الخارجي الذي قامت به كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. ولم يكن انتصار مصر في تلك المرحلة سوى انتصار للأمة العربية كلها، وهي كانت تتوق لعهد جديد تذوق فيه حلاوة العز بعد أن ذاقت مرارة الذل والقهر طويلاً.

إن المد القومي الذي تُوِّج بقيام الوحدة بين مصر وسوريه العام 1958 – وإن اعقبه الإنفصال بعد ذلك، كان الوميض المشع للعرب جميعاً من محيطهم إلى خليجهم. فهل ننسى كل هذه الأمجاد في زحمة الزمن الرديء الذي تعلو فيه الأصوات الناشزة الجاحدة بصانع تلك الأمجاد؟

كلنا يعلم من يدفع بعض الشبان المغرر بهم إلى رفع عقيرتهم بالإساءة إلى ذكرى جمال عبد الناصر. فهم المحسوبون على تلك الجماعات التي ناصبت قائد الثورة العداء منذ اليوم الأول، حين أعلنت شعاراتها القائلة بأن لا حكم إلّا بالقرآن. وكأن القضاء على الإقطاع، ورفع الغبن عن كاهل الفقراء يغاير آيات القرآن الكريم؟

لقد استمرت هذه الجماعات المارقة في عدائها لعبد الناصر، وحقدها عليه، حتى بعد وفاته، مشوهة ذكراه، وفي خلدها أن من اليسير محو ذاكرة الناس الطيبين. وهم الذين يعرفون جيداً أن هذا الرجل العظيم عاش في بيت عادي في ثكنة للجيش، لا يملك من الدنيا غير اسمه الناصع وإنجازاته التي لا تُنسى. فلم يترك وراءه مالاً أو أملاكاً. إنما ترك لمحبيه ومقدري افعاله إرثاً يفوق في عطائه مال الدنيا اجمع. الأمر الذي يؤكد أن مرحلة عبد الناصر كانت وما زالت مصدر فخار لا عار.

0 التعليقات:

رسالة أحدث رسالة أقدم الصفحة الرئيسية